
رفيق الكلمة.. نادرعطا
وداعاً صاحب المقام الرفيع..!
شيّعت الأوساط الرياضية والدبلوماسية صباح أمس بقاهرة المعز، الدكتور والسفير الكابتن علي قاقرين الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بعد معاناة مع المرض اللعين ليفقد السودان نجماً قامة وقيمة تألق في المستطيل الأخضر، وحقّق نجاحات كبيرة في السلك الدبلوماسي قنصلاً وسفيراً، وهو صاحب مسيرة طويلة مليئة بالإنجازات، بدأت بمولده بحي العرب أم درمان من بين تسعة إخوان وأخوات وتنحدر أسرته من الولاية الشمالية منطقة “الحجير”، درس الأولية والوسطى بحي العرب، ثم أم درمان الأهلية وكلية التربية جامعة الخرطوم، تخصص في اللغة الفرنسية وحصل على الدبلوم العالي من باريس في مجال العلاقات السياسية والدولية، ونال الماجستير في الحقوق ومجال المنظمات الدولية والدبلوماسية ثم الدكتوراة في القانون من جامعة “تان تير” باريس، ثم أكاديمية نميري العسكرية 1985، عمل معلماً لعام واحد في 1974 بمدرسة بحري الحكومية، ثم موظفاً ببنك الشعب التعاوني لثلاث سنوات، ثم انتقل لوزارة الخارجية في العام 1977 حتى وصل لدرجة سفير، دشّن قاقرين مشواره الكروي مع أشبال المريخ، ثم انتقل إلى الهلال، وكان حافز تسجيله “125” جنيهاً اشترى منها عجلة “رالي” وسجّل “400” هدف في مشواره الرياضي، من بينها “19” هدفاً في مباريات القمة بين الهلال والمريخ، كان قاقرين نصير جيله يرفض مقارنتهم بالجيل الحالي ويردد دائما “لا يوجد أدنى رابط بين الجيل القديم والحالي، فقد كان اللاعبون في زمننا يلعبون بغيرة ويرفضون الهزيمة، ولا يوجد ما يسمى بالتمرد من أجل المال عكس ما يحدث في هذا الزمان، فاللاعب الحالي لا يؤدي دوره في الملعب إلا إذا وجد المال الكافي، وتأخير مرتب شهر واحد يمكن أن يكون سبباً في غياب اللاعب عن المشاركة مع فريقه، واستشهد الراحل بنجوم المنتخب الوطني الحالي وكيف استطاعوا أن يفوزوا على أعتى منتخب في القارة السمراء في إحدى المواجهات المهمة، بعد أن استلموا المال قبل تلك المباراة بيومين فقط.
ومن الحكاوي التي لا تُنسى للفقيد حديثه عندما استضفناه في “التيار” اعترافه للمرة الأولى في حياته عن مباراة الديربي الشهيرة التي أُقيمت بجوبا وهي المواجهة التي تعرض فيها الهلال للهزيمة، وأكد أنه على نقيض ما أشيع لم يتمرد في تلك المباراة، والصحيح أنه لم يستطع المشاركة في الجبهة اليسرى، وكان مدرب الفريق آنذاك الدكتور كمال شداد قد وظفه في الجبهة الشمال، رغم أنه لم يلعب من قبل في هذه الخانة ولم يستطع أن يفعل شيئاً في الشوط الأول، وفي الشوط الثاني رفض المواصلة حرصاً على الفريق بعد أن أصر شداد الإبقاء عليه في الجبهة الشمال وانتهت النتيجة بفوز المريخ رغم أن الهلال كان في أفضل حالاته على عكس المريخ الذي كان يعاني فنياً. وعن العقوبة التي تعرض لها هو وزميله الكابتن عز الدين الدحيش من قبل مجلس إدارة النادي والذي كان يقوده وقتذاك الزعيم الراحل الطيب عبد الله، قال قاقرين، ولأن وقع الهزيمة كان مؤلماً، وغضب الجماهير وصل المدى البعيد، كان لا بد للإخوة في المجلس البحث عن سبب لامتصاص غضب الجماهير، فقام باستدعائي رفقة الكابتن عز الدين الدحيش، واذكر أن الدحيش رفض المثول أمام المجلس للتحقيق، بينما حضرت وأوضحت للمجلس التفاصيل الكاملة التي جعلتني أرفض المشاركة في شوط اللعب الثاني لأتفاجأ في اليوم الثاني بعقوبة مشددة، والغريب أن عقوبة الأخ الدحيش الذي رفض الحضور كانت مخففة، ولكن بعد أسبوع واحد قرر المجلس رفع العقوبة وعدنا للمشاركة، وهذا ما يؤكد أن الراحل لم يفكر مجرد تفكير التمرد على الهلال في يوم من الأيام، فهذا لم يكن من طبعه بشهادة كل من يعرفه.
في السبعينيات، أطلق الصحفي المتميز عمر عبد التام لقب الرمح الملتهب على الراحل، أما قاقرين فكناية لشقيقه ومن الأقوال الشهيرة كان حاج حسن عثمان قطب المريخ يقول للاعبين “أضمنوا لي قوون الدرون”، بمعنى أن قوون قاقرين حاضر حاضر، وفي تلك الفترة كانت العلاقة مميزة ما بين لاعبي الهلال والمريخ، وكثيراً ما يتواجدون سوياً قبل مباريات القمة.
ظل قاقرين وكلما أتحدث معه يتحسّر على حال الرياضة السودانية، وقد قال في آخر حوار معه إن كل شيء تغيّر في الرياضة، تغيّرت نوعية الجمعيات العمومية والنظرة للتسجيلات وتجديد النظر للاستثمار والموارد وقال إن الراحل الطيب عبد الله زعيم أمة الهلال كان نموذجاً في كل شيء، كنا جيلاً مؤهلاً وليس وحدي، ولو وجدنا اهتماماً وإمكانيات اليوم كنا أتينا بكل بطولات القارة.
لعب الراحل المقيم في قلوب كل السودانيين في أبيدجان بساحل العاج وكان نائباً للسفير، تزوج بمن أحب “بت الحلة” وتخصص في اللغة الفرنسية وكان دائماً ما يردد “ما في زول بيتكلم فرنساوي زيي في البلد دي كلها”، احترف في السبعينيات بعد إعلان الرياضة الجماهيرية ووقّع لنادي النصر السعودي وعندما تأخّروا في تنفيذ بنود العقد فيما يخص الشقة والسيارة، عاد للحاق بامتحانات وزارة الخارجية وفضّل الدراسة على الاحتراف.. وداعا صديقي.
ومهما كتبنا وقلنا فيك كل الكلام
ما أظن يضمد جرحنا
سفرك بعيد من غير رجوع
دعواتنا ليك من قلبنا
الرحمة ليك يا فقدنا
ولينا الصبر من ربنا
ألا رحم الله الفقيد وتغمده بواسع رحمته، وألهم أهله وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان وحُسن العزاء.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
Share this content: