
قزاز ورذاذ
محمد الطيب الامين
حتى (السُوستة) ما بتقفل
وقعت (عينو) وطلع (زيتو) !!
في الشهر الثاني للحرب ، إستوقفني صباح ذات يوم (وداع) بين (جارتين أتنين ) في الحِلة.
جيرانا .
واحدة قررت السفر خارج الخرطوم مثلها ومثل الآلاف الذين سافروا ، المُسافرة جات تودع جارتها وفي يدها كيس فيهو شوية (طماطم وملح وسكر) ده (باقي التلاجة) وفي يدها التانية شايلة (كورية تلج كبيرة) ، ادتها الحاجات دي وقالت ليها : نحن خلاص ماشين وده مفتاح البيت والكهرباء أمبارح أبونا نزلها لو إحتجتوا ليها البيت بيتكم ، ثم بكت ودارت الدموع بطرف الثوب وقالت : في وداعة الله و(إن شاء الله ما آخر وداع).
حقيقة لأول مرة أحس وأتفحص كلمة : (إن شاء الله ما آخر وداع).
الكلمة دي فيها كثير من الشجن والوجع والخوف الناعم وأمل ووعد اللقيا .
إن شاء الله ما آخر وداع.
يا سلام.
في الأساس السفر خاطر.
المسافر بشيل خاطر الناس.
وقد جهر بها ود اللمين : (السفر ملحوق وأنت لازم تجبر بالخواطر).
كل الذين غادروا الخرطوم سافروا بدون خاطر ودون رضا ولكنها الحرب اللعينة.
سافروا بأجسادهم وتركوا أرواحهم في الخرطوم ، والعيون مليانة دموع ، والقلب مكسور وحتى سُوستة (الشِنطة) ما بتقفل للنهاية.
ده السفر السيدو ما راضي.
رحلة البحث عن الطمأنينة في وطن (وقعت عينو) و(طلع زيتو) على أيادي أهل بيتو.
في السفر وأنا (عدو السفر) في كل حالاته واحواله حتى في حالة السلام ، في السفر كان يشدني منظر الجميلة (البتسرح تسريحة السفر) وتودع الأعزاء بإبتسامة أشبه بالدمعة ، (بسام الوداع الستو ما مبسوطة) ولكن في سفر تلك الأيام كل الجميلات سافرن بشعر منكوش وقلب مقبوض وهذا ما جعلنا نبكي على سفر ما عاد هو ذلك السفر الأليف.
كتير من الناس سافروا وتركوا مفاتيح بيوتهم عند الجيران .
ثم .
عينك ما تشوف إلا النور .
حتى أباريق الحمام إتسرقت .
سرقوها الجنجا المعروفين أو سرقوها الجنجا العاملين فيها ما جنجا ، وديل أخطر من الجنجا .
و..و..
وإن شاء الله ما آخر وداع.
#محمد_الطيب_الأمين
Share this content: