,

شخصيات لا تنسى… مالك جعفر

*شخصيات لا تنسى*

*مالك جعفر سر الختم… قصة شغف بالهلال.. وبناء شامخ*

*رحلة شغف بين ضفاف النيل وأمواج العالمية*

هل تخيلت يوماً قصة حياة تروي فصولًا من العشق الأزلي لنادي عريق، ورحلة طموح عبر قارات العالم، وشخصية جمعت بين هدوء الشمال وعزيمة المغترب وحكمة القيادي؟ هذه ليست مجرد سيرة ذاتية، بل هي نافذة على حياة مالك جعفر سر الختم، الرجل الذي ولد على ضفاف النيل في الحصاحيصا، وتشرب حب الهلال منذ نعومة أظفاره، وحمل السودان في قلبه أينما حل، ليصبح لاحقاً أحد الأعمدة المؤثرة في تاريخ “سيد البلد”.
فمن هو مالك جعفر؟ وما هي المحطات التي رسمت مسيرته الاستثنائية؟

*من ملاعب الحصاحيصا إلى مدرجات المغرب: بذرة العشق تتفتح:*

تبدأ حكاية مالك جعفر في مدينة الحصاحيصا، حيث تفتحت عيناه على حب كرة القدم، ومارسها بشغف في صفوف نادي النيل. جذوره العائلية تمتد إلى الولاية الشمالية ” منطقة قنتي”،لكن طموحه لم يتوقف عند حدود الملعب الأخضر، فسرعان ما وجد نفسه في المملكة المغربية، حيث نهل من معين العلم في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني. لم يكن المغرب مجرد محطة تعليمية، بل كان بوابة واسعة اكتشف فيها مالك آفاقاً جديدة، وتفاعل مع ثقافات متنوعة، وبرز كقائد للطلاب السودانيين، يجوب مدن المغرب في “دورة الربيع” السنوية، ناشراً عبق السودان في فعاليات اجتماعية وثقافية ورياضية، مما أتاح له فرصة التعرف على مختلف المدن المغربية وتكوين شبكة علاقات واسعة.

*أمريكا.. محطة الصقل والتجربة: حيث تصقل المعادن النفيسة:*

في عام 1988، اتجهت بوصلة طموحه نحو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سعى للدراسة والعمل. وبين قاعات جامعة UDC في واشنطن ومحطات العمل المختلفة في نيويورك، اكتسب خبرات حياتية متنوعة، صقلت شخصيته ومنحته نظرة ثاقبة للعالم.واكمال الدراسات العليا بالسودان .. حيث الالتحاق بجامعة امدرمان الاسلامية ونيل الدبلوم العالي ثم التوجه للاعمال التجارية بحكم عمل الاسرة (اسرة تجارية)

*العودة إلى الوطن.. والقلب ينبض بالأزرق: فارس يعود إلى عرينه:*

مع منتصف التسعينيات، عاد مالك إلى السودان، وقلبه يفيض بحب الهلال الذي لم يغب لحظة عن خاطره. لم يتأخر فارسنا طويلاً قبل أن ينخرط في خدمة “الأزرق”، بدايةً في اللجان المساعدة للقطاع الرياضي، ثم مبادرًا لتأسيس كيان “شباب الهلال (الهلال الرائد)” رفقة نخبة من الأسماء اللامعة. كانت هذه اللجان بمثابة السند القوي لمجلس الإدارة، تعمل على حل مشاكل اللاعبين وتقديم الدعم اللازم، وشهدت تولي مالك لرئاستها لاحقاً، ليبرهن على قدرته القيادية وعشقه المتفاني للكيان.

*2001.. بوابة القيادة تُفتح: مالك يدخل عرين الأسود:*

في عام 2001، ومع استقالة الرئيس طه علي البشير، بزغ فجر مرحلة جديدة في مسيرة مالك الهلالية. تحت قيادة الفريق عبد الرحمن سر الختم في مجلس التسيير، وجد مالك نفسه مسؤولاً عن القطاع الثقافي ولجنة المنشآت، لكن قلبه وروحه كانا قريبين دائماً من القطاع الرياضي. كان هذا المجلس هو المهندس الحقيقي لنهضة الهلال، وضع الأساس لبناء النادي الحديث، وأنجز مشاريع حيوية كشبكة الري والآبار. وسط صراع “الصدارة والأصالة” الذي ظهر مع ترشح صلاح إدريس، كان اختيار الفريق عبد الرحمن سر الختم بمثابة نقطة التقاء حكيمة، ليقود لجنة تسيير تاريخية حققت إنجازات غير مسبوقة، أبرزها وصول الهلال لدوري المجموعات في البطولة الأفريقية الكونفدرالية، وتحديث البنية التحتية للنادي، وإطلاق مشاريع استثمارية طموحة. كان مالك جزءاً أصيلاً من هذه الخلية النشطة، مساهماً بفعالية في كل القطاعات.

*رئيساً للقطاع الرياضي.. مهندس الانتصارات وصانع النجوم:*

في المجلس التسيري الجديد الذي أعقب الانتخابات غير المكتملة، تولى مالك جعفر رئاسة القطاع الرياضي، وهو الاختيار الأمثل لقربه من اللاعبين والمدربين وخبرته في عالم التسجيلات. استلم مالك ملف التدريب في فترات حاسمة، وتعامل مع أسماء لامعة كمصطفى يونس وبرانكو والحيدوسي، وكان له الدور الأبرز في استجلاب محترفين مميزين كالبرازيليين إيميرسون وريبيرو. في عهده، تحولت عقودات اللاعبين إلى احترافية، وتم إنشاء هياكل تنظيمية حديثة كنظام أساسي ولوائح متطورة، وبلغت عضوية النادي رقماً قياسياً وصل الي 37 الف عضو، مما ساهم في تحقيق طفرة مالية وإدارية. كانت “لائحة برانكو” التي أشرف عليها مالك بمثابة نقلة نوعية، حفظت حقوق اللاعبين وساهمت في تحقيق نتائج مبهرة على الصعيد القاري، ووضعت الهلال في مصاف الأندية الكبيرة.

*شخصيات تركت بصمة.. ونجوم أضاءت سماء الهلال عاصرها مالك جعفر:*

كثير من الشخصيات عاصرها مالك جعفر في مسيرته الهلالية، وعلى رأسهم “العم شبشة”، الرجل الذي عاش عقوداً في خدمة النادي بتجرد ونكران ذات، والكوتش مصطفى يونس الذي أسس لفريق مرعب، والمدرب القدير برانكو الذي قاد الهلال لفوز تاريخي على الأهلي المصري في القاهرة، والمدرب التونسي سفيان الحيدوسي الذي قاد الفريق للصعود لدوري المجموعات الكونفدرالية في ظرف قياسي. كما عاصر مالك جيلاً ذهبياً من اللاعبين، أمثال الكابتن حمد كمال، وهيثم مصطفى، وخالد بخيت، وأبو شامة، وعمار مرق، وكان له دور حاسم في حل مشكلة عودة ريتشارد جاستن وتسجيل النجم مهند الطاهر في صفقة تاريخية.

*الفترة الثانية.. تحديات وصمود: الأمين العام في وجه الصعاب:*

في عام 2010، ومع استقالة مجلس صلاح إدريس، عاد مالك جعفر إلى دائرة صنع القرار كأمين عام لمجلس التسيير برئاسة شيخ العرب يوسف أحمد يوسف. كانت فترة صعبة، حيث كان الهلال يعاني من فراغ إداري ومالي، لكن عزيمة مالك وإصراره على خدمة الكيان الأزرق جعلاه يتصدى لكل التحديات بثبات وحكمة.

*في الختام.. مسيرة تكتب بماء الذهب:*
إن قصة مالك جعفر سر الختم ليست مجرد سيرة ذاتية لشخص، بل هي قصة عشق وتفانٍ لنادي الهلال، ورحلة كفاح وطموح عبر محطات مختلفة. من لاعب ناشئ في الحصاحيصا إلى قيادي مؤثر في مجلس الإدارة، ترك مالك بصمات واضحة في تاريخ “سيد البلد”، مساهماً في نهضته وتطوره. إنه نموذج للشخص الذي يجمع بين العشق والانتماء، والرؤية والإنجاز، مساهماً بفاعلية في بناء صرح الهلال الشامخ.إنها حكاية تستحق أن تروى وتُلهم الأجيال القادمة من عشاق الأزرق، مؤكدة أن الشغف والإخلاص هما مفتاح النجاح والخلود في قلوب الجماهير.

Share this content:

Exit mobile version