وشوشة الرياح المسرحية التي أُسدل عليها الستار قبل أن تبدأ ✍️ أنور بن عوف

وشوشة الرياح
المسرحية التي أُسدل عليها الستار قبل أن تبدأ
✍️ أنور بن عو
في صبيحة أول أيام يوليو، كانت شمس كريمة تسطع على صفحة نهر النيل بهدوء، بينما كانت قاعة الجمعية العمومية هناك تضج بأصوات لا تخلو من الصخب، تُعلن – كما يقول منظموها – عن لحظة فارقة في تاريخ الكرة السودانية. ولكن، جاء صوت رياح عاتية من الغرب، صوت من مدينة الجنينة، صوت مختلف تمامًا، حمله السلطان الدكتور حسن محمد عبد الله برقو، رئيس اتحاد الجنينة، ليصف تلك الجمعية بأنها “مسرحية”، لا تعنيه لا في وقائعها ولا في فصولها ولا حتى في جمهورها.
وفي بلد تتقاذفه أمواج السياسة والرياضة والقبلية، ما عاد أحد يفرّق بين خشبة المسرح ومنصة الاجتماع. السلطان برقو، الذي تمرّس في مشهد النزاعات الانتخابية الرياضية، لم يكتفِ برفض الجمعية، بل مضى في طريق التصعيد، مؤكدًا مضيهم في “قضية عادلة” – حسب وصفه – تقودهم هذه المرة نحو أعلى المنصات العدلية الدولية، في محاولة لإسقاط نظام أساسي “فُصل في الخفاء”، على حد تعبيره.
وبينما كانت الجمعية العمومية تحتفل بـ”الشرعية”، جاء رد السلطان برقو كالريح المتمردة على اتجاه الريح. فقد رأى أن كلمة رئيس الاتحاد الدولي “إيفانتينو” التي سُجلت وعُرضت خلال الجمعية، لا تعدو كونها “تحية بروتوكولية” لا تمنح شرعية ولا تسقط اعتراضًا، متهمًا مجموعة التغيير بأنها تمارس “غشًا معنويًا” على أعضاء الجمعية، وتحاول عبر هذه الكلمة استدرار العاطفة وشرعنة واقعٍ مشوّه.
والسلطان برقو، الذي سبق له أن خاض صراعات مماثلة، أعاد للأذهان واقعة 2021م حين أُلغي اجتماع مماثل بفضل الطعن والضغط القانوني، مشيرًا إلى أن “الضربة القادمة ستكون قاصمة وموجعة”، كلمات تختزن خلفها ما هو أكثر من تهديد، بل رسالة صريحة بأن ما بُني على الغموض لن يصمد طويلًا.
ولعل أكثر ما أثار تساؤلات المتابعين، هو حديثه الصريح عن أن الاتحاد الحالي ظلّ طوال أربع سنوات بلا خطاب دورة ولا ميزانية واضحة، متسائلًا: “من يحاسب؟ ومن يُحاسب؟”، في بلد تتراكم فيه الملفات ولا تجد من يفتحها، وتتحول فيه الشفافية إلى شعارٍ بلا ظل.
لكن بين الجمعية في كريمة، والاعتراض من الجنينة، تظل الحقيقة تائهة بين المعسكرات. هل هي فعلاً مسرحية كما قال السلطان برقو؟ أم أنها إعادة ترتيب لبيت الكرة السودانية كما يرى أصحاب الجمعية؟ وبين الاتهامات والاتهامات المضادة، يبقى المشجع السوداني – ذلك الذي يُحب الكرة كما يُحب القهوة المرة – هو الضحية الحقيقية، وهو يرى أحلامه تتكسر على عتبات خلافات لا تنتهي.
—
الريح التي هبت من الجنينة حملت معها كثيرًا من الغبار، لكنها لم تطفئ نار الخلاف، بل أججتها. وإذا كان من شيء واضح في كل هذا الضجيج، فهو أن كرة القدم في السودان ما تزال عالقة بين مجموعات تتنازع على الشرعية، وتنسى في زحمة الطريق جوهر اللعبة: الشفافية، النزاهة، والعمل المؤسسي.
وما ختم به السلطان برقو حديثه كان أشبه بطعنة في خاصرة الصمت:
“وأنا برقو بالمرصاد لكل فساد.”
عبارة قد تتحوّل إلى شعار، أو تُصبح عنوانًا لمعركة طويلة لا تُخاض فقط في الملاعب، بل في دهاليز القضاء، وكواليس السياسة، وهمسات المصالح.
Share this content: