عبد المهيمن بين العطاء والتحديات

هلال وظلال
عبد المنعم هلال
عبد المهيمن بين العطاء والتحديات
ـ لسنا من أولئك الذين يطلبون ود الإداريين أو يسبحون بحمدهم طمعاً في مصلحة أو فائدة لكن التزامنا بالحق وحرصنا على الإنصاف يفرض علينا أن نقول الكلمة العادلة في وجه التيار وأن نسلط الضوء على من يعملون بصدق ويضحون بصمت ويقودهم حب الهلال قبل أي دافع آخر وعبد المهيمن أحد أولئك القلائل الذين يقفون في الصفوف الأمامية بإخلاص لا يشهر وعطاء لا يجارى
ـ لا تربطني صلة بالأخ عبد المهيمن ولم أقابله من قبل ويجمعنا ويربطنا فقط الهلال الذي نسعد بخدمته كل في مجاله ومن يعرف عبد المهيمن يعرف جيداً أنه ليس من أهل الظهور أو التصريحات الرنانة بل من الذين يعملون في الظل لكن أثرهم في العلن لا يمكن إنكاره رجل جمع بين الانضباط والهيبة وبين الصرامة والعدل ففرض احترامه على الجميع وفي خضم التغيرات التي تعصف بالأندية السودانية يبرز اسم عبد المهيمن الأمين كأحد القلائل الذين جمعوا بين المهنية العالية والانتماء الصادق ليشكل حجر الزاوية في استقرار الهلال السوداني داخل الملعب وخارجه فمنذ توليه مهمة مدير الكرة ظل عبد المهيمن علامة فارقة في إدارة شؤون الفريق الأول متحملاً أعباء منصب شائك يتطلب ضبط الإيقاع الإداري بين النجوم والمدربين والإدارة العليا.
ـ طبق عبد المهيمن مفهوم الإدارة بالفهم الفني والعمق الإنساني فلم يكن مجرد موظف إداري يؤدي واجبات روتينية بل شكل نموذجاً للإداري القريب من اللاعبين والجهاز الفني في آن معاً يملك من الدراية الفنية ما يؤهله لفهم تفاصيل الكرة ويملك من الحكمة والهدوء ما يجعله رجل المهمات الصعبة و(المطفئ) للحرائق في أروقة الهلال.
ـ يشرف على كل كبيرة وصغيرة داخل المعسكرات يتابع التمارين ويراقب سلوك اللاعبين ولا يتردد في التدخل لحسم أي تفلت دون أن يترك شرخاً في النفوس وهذه الموازنة الدقيقة هي التي جعلته يحظى باحترام واسع داخل غرفة الملابس وخارجها.
ـ عدة مواقف مفصلية أظهرت قيمته فقد مر الهلال بعدة مطبات خلال السنوات الأخيرة أبرزها الأزمات الإدارية والانتقالات المعقدة والإصابات المفاجئة وتغيير المدربين. لكن عبد المهيمن كان صمام الأمان الذي حافظ على استقرار المنظومة رغم العواصف وقد كان محافظاً على حجم التنظيم والإشراف الدقيق الذي يقوده.
ـ لم يكن طريق عبد المهيمن مفروشاً بالورود فقد تعرض لحملات إعلامية شرسة لا سيما في أعقاب بعض القرارات الإدارية أو نتائج المباريات أبرزها ما حدث بعد خصم نقاط للهلال في الدوري الموريتاني حيث وجهت له اتهامات بالتقصير قبل أن يخرج المدرب فلوران نفسه مدافعاً عنه ومبرئاً ساحته.
ـ رغم الخطأ الذي وقع في مباراة الهلال أمام لكصر حيث أشرك عبد المهيمن فريق الهلال بستة لاعبين أجانب مخالفاً اللائحة مما أفقد الفريق النقطة التي كان في أمس الحاجة إليها إلا أن ذلك لا يقلل من قدره أو يطعن في إخلاصه فالإداري الكبير هو من يعرف كيف يواجه المواقف الصعبة ويتعلم منها وعبد المهيمن قد أثبت مراراً وتكراراً أنه قادر على تصحيح الأخطاء والاستفادة منها لتفاديها في المستقبل وتلك الهفوة لم تكن سوى نتيجة اجتهاد في إطار طموحات كبيرة ولا يمكن أن تختصر سيرته العطرة في لحظة زلل عابرة.
ـ أظهر عبد المهيمن في تلك المواقف قدرة عالية على امتصاص الضغوط وعدم الرد بانفعال واضعاً مصلحة الهلال فوق أي اعتبارات شخصية وهذا ما عزز صورته كرجل إدارة من الطراز الرفيع.
ـ في مايو 2021 أعلن عبد المهيمن استقالته من منصبه عقب خسارة مؤلمة أمام المريخ في خطوة فسرها كثيرون بأنها نابعة من شعوره بالمسؤولية الأخلاقية غير أن عودته لاحقاً أعادت التأكيد على أن الهلال ليس مجرد ناد بالنسبة له بل بيت وفاء وانتماء ورسالة.
ـ أحد أكبر إنجازات عبد المهيمن يتمثل في صموده رغم الحرب الدائرة في السودان حيث حافظ على تماسك الفريق رغم التشتت الجغرافي وتغيير ملاعب المباريات وظهر في أكثر من منبر يوضح حقائق ترتيبات المباريات الإفريقية ويدير التنسيق مع المدرب فلوران مانحاً الهلال شكلاً احترافياً وسط فوضى تعم الرياضة السودانية.
ـ سوف يسجل التاريخ أن الهلال قد فاز بالدوري الموريتاني بقيادة عبد المهيمن الأمين مديراً للكرة وهو إنجاز يدون في سجلاته ويحسب له لأنه يعكس روح الاجتهاد والمتابعة الدقيقة التي ظل عبد المهيمن يقدمها في صمت خدمة للهلال ورفعة لاسمه في كل الساحات.
ـ في زمن أصبحت فيه المناصب وسيلة للظهور الإعلامي والاستعراض الشخصي برز عبد المهيمن كأنموذج مختلف إداري يحترم موقعه ويقدر مسؤوليته ويجعل من (مصلحة الهلال) شعاراً لا يغادره في الصغيرة قبل الكبيرة.
ـ مهما تعددت وجهات النظر واختلفت الآراء يبقى المنجز هو الفيصل والتاريخ لا يذكر إلا من خدم وأخلص وأثبت أنه يستحق أن يكون في الموقع الذي هو فيه وعبد المهيمن اليوم بات رقماً يصعب تجاوزه في الخارطة الإدارية لنادي الهلال.
ـ نعلم أن العمل الإداري محفوف بالمصاعب والتجريح وأن كثيراً من الجهود تنكر وتطمس تحت وطأة التعصب والتصيد لكن من الإنصاف أن نرفع القبعة لمن يستحق وأن نقول لعبد المهيمن شكراً على صدقك .. شكراً على صبرك .. وشكراً لأنك كنت دوماً على قدر الهلال وفي زمن تطغى فيه العاطفة على المهنية داخل المؤسسات الرياضية يبقى عبد المهيمن نموذجاً نادراً للإداري الذي يوازن بين الانضباط الإداري والخبرة الفنية والبعد الإنساني وربما لا يحظى بأضواء الإعلام كما يجب لكنه يحظى بتقدير كل من عرفه أو تعامل معه.
ولعل السؤال الذي يطرحه واقع الهلال اليوم هل هناك من يستطيع أن يملأ فراغ عبد المهيمن إن قرر الرحيل ..؟ الإجابة قد تكون مرهقة لكنها توضح حجم تأثير هذا الرجل الهادئ في فريق يعج بالضغوط.
Share this content: