آراء

أسطورة الحاج ودعلي

يكتبها عبدالعزيز الرباطابي

 

الجزء الأول:

لم تكن شجيرات السلم ذات الشوك القصير والأوراق المتفرقة والصغيرة تشكل ازعاجا لأهالي قرية بسوي بنهر النيل خاصة وأن تلك الشجيرات التي تتناثر هنا وهناك كانت تعود بالنفع على الكثير من السكان المحليون هناك إذ يقطعونها للاستفادة منها في إقامة زرايب البهائم التي تعد سعيتها من أساسيات العيش بالمنطقة فضلا عن استخدامها كوقود في البيوت فيما ينشط البعض ببيع حطبها في الأسواق لتعود عليهم بالنقد ، أضحت شجيرات السلم هذه احد معالم القرية بجانب شكل المنازل المبنية من الطين فحسب مما عرف عندهم بالسريقة أو الجالوص وتسقف تلك المنازل من المواد الموجودة حولهم إذ يوضع المرق وهو عادة ساق شجرة الدوم فيما يعارض عليه الشقيق المستخلص من أشجار النخيل التي توجد بكثافة عندهم قبل أن يتم رص جريد النخل بطريقة تتحدث عن ذكاء وفطرة الأهالي على أن يوضع من فوقه الحلفا وهو نبات أشبه بالنجيل الا انه ينمو بشكل أطول وأسرع الأمر الذي يجعله خيارا مثاليا لحماية هذه البيوت من برد الشتاء الغارس وهجير الصيف الساخن وبعض الأمطار التي لاتزور بسوي كثيرا وتزين هذه المنازل أبواب ونوافذ صنعت من الخشب ذات طلاء ازرق اللون عند السواد الأعظم من أهل المنطقة عليها سدادات تسمى بالوكرة وبعضهم يطلق عليها السقاطة، لايهتم أهل بسوي كثيرا على مظهر البيت بقدر اهتمامهم على جوهره إذ يتألف الشكل العمراني لمنازلهم من غرفة وبرندة بجانب برندة لاتوجد بها نوافذ يسمونها المارقون كما يطلقون على الغرفة لقب البيت وعلى المنزل بأكمله لقب الاهل، وتجدهم يهتمون كثيرا ببناء مساكن للسعية من البهائم والحمير تكون في الغالب على بعد أمتار من بقيت المنازل حالها حال الديوان والذي يعرف عندهم بالخلوه وهو المكان الذي يعد لاستقبال الضيوف من الرجال ويبني بطريقة معينة ويخلو من إضافة أبواب في دلالة واضحة على رغبتهم في اكرام الضيف الذي يعد من أهم النفائل التي تميز أهالي القرية
وتستقبل بسوي شروق الشمس بأصوات الدواب المستخدمة كوسيلة مواصلات فضلا عن صوت بوابير اللستر المنصوبة بالقرب من شاطي النهر لتدير طرمبات المياه المستخدمة في ري جناين النخيل التي تحاصر القرية والقرى المصاحبة لها من على الناحية الجنوبية فيما يحدها من الناحية الشمالية شريط الصحراء الممتد حتى شرق السودان لاتعرف بسوي الحياه على بعد أكثر من ١٠ كيلومترا من النهر حيث يصعب ذلك في ظل الأراضي القاحلة والبيئة التي لا تقاوم حتى على المخلوقات الأخرى دعك من البشر إذ يميز المنطقة طقسين فقط فهي تحظى بشتاء لايقاوم وكذلك بصيف يصعب العيش فيه ، عرف انسان بسوي صعوبة هذه المنطقة مما جعله يفكر فيما يساعده على البقاء بذلكم التعقيد التضاريسي للمنطقة، فكان أن وصلو لأن يعيشون ككتلة واحد غنيهم وفقيرهم صغيرهم وكبيرهم نساءهم ورجالهم بتعاونهم في الكبيرة والصغيرة فتجد اتراحهم تظهر على محيا وجوههم جميعا ولا يقتصر الحزن على أقرباء المتوفى كما أن الأفراح تسعد كل الأهالي هناك حتى انصهر انسان بسوي في بوتقة واحدة تجعل الناظر لهم من الوهلة الأولى يعتقد أنهم أسرة واحدة على الرغم من أن مجتمع بسوي السكاني يتألف من قبائل الرباطاب والعبابدة بجانب البشاريين عاشت ام الحسن مع ابنتها سارة المتزوجة من احمد صالح في جزيرة بسوي احدي جزر منطقة الرباطاب بمحلية ابوحمد
صباح يوم الاربعاء اصطحب شبيكة (ابن سارة) حبوبته ام الحسن في عربة الكارو الخاصة به وتوجه بها لمحطة القطار والذي كان دائما ما يصل ابوحمد في الصباح الباكر قادما من حلفا التي يتحرك منها عصر الثلاثاء وخرجت القرية عن بكرة ابيها مودعة ام الحسن ومتمنية لها سفر امن ولم يخفي بعض من الجموع الحاضرة قلقهم الذي كان ظاهرا على محيا وجوههم ، تحركت ام الحسن مع حفيدها شبيكة وهما يتجاذبان اطراف الحديث في الطريق كان محور حديث ام الحسن يدور حول تقديم النصائح لشبيكة واهمية ان يكون رجلا في غيابها وان يستعين بمن هم اكبر منهم في الامور التي تصعب عليه ، على الرغم من تصميمها الكبير للسفر الا ان ام الحسن نفسها كانت متوجسة من السفر خاصة وانها لم يسبق لها ان غادرات مدينة ابوحمد قيد انملة كما انها تواجه مصيرا مجهولا هناك في الخرطوم فهي لا تعرف الطريق لمنزل ابنتها الذي يقع في حي ابروف الامدرماني
وصل القطار واخذت ام الحسن موقعها بالدرجة الثالثة وهي تضع راسها على نافذة القطار ويمناها تمسك بمسبحتها التي اعتادت عليها ، لوح شبيكة لها بيده مودعا وهو يركض في الرصيف أثناء حركة القطار التي تبدأ تدريجية فكانت ان سالت دموعها وهي ترفع يديها له وتتمنى لهم الامن والسلامة لحين عودتها ، شاهد أحد الركاب هذا المنظر وهو من أبناء المناصير يدعى الشريف ويعمل في مجال التجارة بين الخرطوم وحلفا ، كان الشريف رجلا يتميز بالنخوة والأخلاق العالية فضلا عن انه تربى على قيم وعادات اهل المنطقة ، لم يتوانى الشريف في التوجه لام الحسن وتحيتها بتحية الإسلام ومن ثم سألها عن وجهتها ومن الذي يرافقها في رحلتها هذه ، كانت ام الحسن في بداية الأمر
لا تريد ان تحكي لا حد ولكنها رأت النخوه في عيون الشريف وقامت بتمليكه القصة بكاملها سرعان ما بشرها الشريف بمساعدتها وتحدث لها عن ان ابيه الحاج حسن من قبيلة المناصير وولدته نفيسة من قبائل البشاريين والتي تقطن ابوحمد ومضي قائلا انهم عاشو بابوحمد في صغرهم ابان الدراسة قبل ان يستقروا بمنطقة الشمخية واطمئنت ام الحسن للشريف اكثر فاكثر عندما علمت ان والدته هي نفيسة التي كانت من ضمن نساء حي القلعة اللاتي كانت تجمعهم علاقة طيبة وتحدثت له عن ذكريات يوم سفر والدته من بينهم وكيف كان ذلك مؤلما ، كان الشريف يتفقد ام الحسن بين الفينة والاخري ويعود لها بالاكل والماء في كل محطة من محطات القطار المتعددة حتي وصلا للخرطوم فكان ان قام بمساعدتها في انزال متاعها واستاذنها للبقاء بالقرب منه لحين الذهاب لعربة الشحن اخر القطار لاستلام اغراضه ، وقفت ام الحسن حائرة في طبيعة الخرطوم وانسانها الذي تختلف حياته عن حياة الرباطاب في كل كبيرة وصغيرة في الوقت الذي كانت فيه تتامل من حولها كان الجميع ينظر لها بشكلها المختلف وثوبها الذي لايمت للعصرية بصلة كانت أم الحسن تبدو وكأنها ليست من هذا العالم ولاتفهم حتى همس المتواجدون بمحطة سكة حديد الخرطوم بحري فهم أناس يلبسون فاخر الأزياء ويحملون هواتف تختلف كثيرا عن تلك التي تعرفت عليها ببسوي حتى شكل المتاجر والبقالات لم تكن كالتي تعرفها مما جعلها تصاب بالزهول كثيرا،
في حي ابروف الامدرماني لم تكن طيبة التي تدخل شهرها السابع تتوقع ان تشاهد والدتها ام الحسن خاصة وانها تعلم ظروف شقيقتها سارة والتي تسكن مع والدتيهما فقط بحكم تواجد زوجها العريف صابر في منطقة هجليج رفقة عدد من عناصر كتيبته بالجيش ، أصيبت طيبة بالدهشة حينما شاهدت امها تدخل من الباب لتنفجر في نوبات من البكاء وتشاطرها ام الحسين في ذلك بعدها قامت فادية إحدى جارات طيبة بتحضير وجبة الفطور في بيتها وعادت به احتفاء بقدوم ام الحسن
كان الخير زوج طيبة يمتهن غسيل السيارات على الرغم من تخرجه من كلية الهندسة قسم المدنية وكان يعيش هو وزوجته طيبة ظروفا صعبة قبل وصول الحاجة ام الحسن وكان يخرج باكرا ليعود في آخر ساعات اليوم حتي يوفر تكاليف استقبال مولوده الجديد ، جاء الخير لمنزله عقب صلاة المغرب وبشرته زوجته بوصول ام الحسن التي يمكن ان يجعله تواجدها معهم مطمئنا حينما يخرج للعمل فطلب منهم صناعة ( زلابية) مع شاي المغرب احتفاء بقدوم نسيبته
وفي يوم الأحد وعقب صلاة الفجر مباشرة احست طيبة ببعض الالام ونقلت للمستشفي فكان ان وضعت مولودتها قبل ان تفارق الحياه مباشرة اصطدم الخير بخبر وفاة شريكته في الحياة وأصيب بصدمة نقل على إثرها للعناية المكثفة التي بقي بها اسبوعان قبل ان يفارق الحياة هو الآخر من رحمة الله على المولودة كان للحاجة أم الحسن ان تحضر وضوع ابنتها الراحلة ومن أقدار الصغيرة أن تخرج للحياة يتيمة الام والاب
سميت الصغيرة سلمي وتولت ام الحسن رعايتها مع ابناء خالتها سارة حتي كبرت ، تأدبت سلمي وكانت مميزة على أقرانها في حي القلعة ببسوي كان لا ترفض طلبا لام الحسن معتبرة اياها امها التي لم تنجبها كان سلمي محبوبة بين الناس قمحية اللون صادقة النوايا كريمة الأخلاق لاتعرف الكذب ولا ترافق من يعرفونه
درست سلمي في كلية الآداب بجامعة النيلين فكانت سلمى لا تعرف غير محاضراتها والداخلية كان جميع زملائها بالكلية معجبون بها بأدبها الجم وزيها المحتشم ، إذ كانت قروية الطباع اسلامية الأخلاق وحضرية الثقافة كانت نابغة ولم تعرف تقديرا غير الامتياز تعرف عليها الخميني بعد ان علمت انه من ابناء ولايتها في احد الاسابيع الثقافية التي تقيمها روابط الطلاب بالولايات المختلفة حيث كان الخميني شابا متمسكا بتراث وتقاليد منطقته وهو من من يجيدون نظم الدوبيت فكان ان صعد في ذلك اليوم وقدم مسدارا رائعا عن طبيعة المنطقة وانسانها مما لفت انتباه سلمى التي حرصت على التواصل معه
كان الخميني اخ حقيقي لسلمي طوال فترة الدراسة ولما تخرجا اتفق على ان يتواصلا….

 

يتبع…

Share this content:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى