*اصطناع المبررات وجدوى التحليلات*

*حروف زرقاء*
✍🏼 أحمد عمر سوميت
*اصطناع المبررات وجدوى التحليلات*
إن الاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة، وتقبُّله مهم لإصلاح الأفكار والمفاهيم، بشكل خاص مفهوم أنك ترمي جرة مشاكل الهلال في جمهوره وإعلامه، فهذا مفهوم خاطئ، يندرج في بند التبرير المصطنع لأخطاء المجلس والأجهزة الفنية. ومن يقول ذلك يرتكز على أي أساس علمي أو منطقي؟ أم هي مجرد مفاهيم وتقاليد شببنا عليها وصبغناها بصفة العلمية بمزاجنا؟
الأصل أن المجلس يجب ألا يرتكب أخطاء، وإن وقعت أخطاء فتلك طبيعة البشر، كما قال نبينا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم: (كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون). الشرع وعرف الطبيعة يعطيان الحق لكل البشر بانتقاد الأخطاء التي تحدث على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الرياضي أو المجتمعي، إن كانت أخطاء أفراد أو مؤسسات.
هل يسعى بعض الأهلّة لمخالفة الشرع وقانون الطبيعة لفهم ظني مبني على انطباعية المظهر دون الجوهر التي تؤخر فرضية الإصلاح؟ فالأصل يتضرر الهلال من أخطاء صنّاع القرار، ولا يتضرر من تناول الجمهور والإعلام لخطأ صنّاع القرار، ولا يعقل أن تعتمد على ردة الفعل وتبرر بها أخطاء الفاعل.
فالناقد ومنتقدو النقد وكل المجتمع الهلالي يمني نفسه بتحقيق حلم العمر باعتلاء الهلال لمنصات التتويج الأفريقية. وسعيًا لتحقيق هذا الحلم وحبًا في الكيان الهلالي، تأتي تفاعلات عشاقه مع واقع الهلال وأحداثه على الصعيد الإداري والفني. تلك التفاعلات بكل اختلافات الآراء تشكل عصب وعمود هذا النادي المؤسس على الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر، والنابعة من أحلام هذا الشعب بالأميرة السمراء.
فينبغي توسعة مدارك الفهم لطبيعة هذا العشق الأبدي ونشبعه بالإيجابية لتقبُّل تلك التفاعلات ووضعها في إطارها الصحيح، بدل الدخول في متاهات مظلمة تقودنا لصراع (التضاد) المفضي لمصادرة حرية الرأي والفكر. دعونا نكون دعاة إصلاح، والإصلاح لا يتأتّى إلا بمدارسة الأخطاء ومعالجتها.
في هذا المقام، كل فرد بالضرورة يحمل تصورًا ما في مخيلته المحددة لنوع الخطأ والصواب على الصعيد الإداري والفني، ومن الطبيعي أن يعمل على إفراغ هذا التصور عبر تغريداته الشخصية لإبانة رأيه في المكان والزمان الذي يجد فيه نفسه. فرجاءً تعاملوا مع رأيه بمنطق التحاور والنقاش وابتعدوا عن (لا) النهاية حتى لا يتحول الأمر إلى جدال يفضي بنا إلى عناد يفسد قيمة الحرية والديمقراطية.
والهلال في خواتيم موسم 2024-2025، وهي فترة التقييم المناسبة للموسم المنصرم على الصعيد الإداري والفني، وأهم المراجعات المطلوبة مدارسة تجربة فلوران إيبينجي، ومن الطبيعي أن تكثر الآراء الداعمة أو الناقدة في حق التجربة. إيبينجي ليس عضوًا بنادي الهلال ولا عضو في المجلس الهلالي حتى يتذمر بعضنا من نقده أو المطالبة بإقالته، هو موظف تعاقد الهلال معه لتحقيق مشروع أبطال أفريقيا، متى ما رأينا ما يعيب في عمله ينتقد ويذهب ويأتي غيره.
الجهاز الفني يعد أهم محاور مشروع الأبطال كأداة تنفيذ منوط بها تحويل مجهودات المجلس إلى منجزات تضع الهلال على القمة الأفريقية، إذا بطلت الأداة ذهبت اجتهادات المجلس أدراج الرياح.
وهنا نقول: رأينا في إيبينجي ليس رأيًا ملزمًا، إنما جهد المقل المحب (الساند) والمرتكز على بينة من واقع تجربة ملموسة عشناها بكل تفاصيلها، التي أبانت لنا إشكالات عديدة يعاني منها الهلال برغم مرور ثلاث سنوات على تواجد إيبينجي بالدكة الفنية، وبرغم من توافر عدد (10) محترفين كحالة نادرة في تاريخ الهلال، ومعسكرات دائمة واستقرار كبير في النواحي المالية الخاصة بمعاشات اللاعبين والجهاز الفني وتنفيذ طلباته الإعدادية لحد كبير حسب رؤيته، والمجلس في هذا الخصوص لم يترك شيئًا يتعذر به إيبينجي للفشل.
في ظل توفر مقومات النجاح، يفتقد الهلال للتنوع في الأسلوب الهجومي والمرونة في طرق اللعب، وقوة الشخصية والكاريزما داخل أرض الملعب. وظل إيبينجي يعتمد على فن الهجمات المرتدة تجسيدًا لمقولته المشهورة (لدغة السنجاب)، وقد نجح لحد ما في بناء أسلوب سلس وسريع في التحولات الهجومية عبر استغلال فراغات أظهرة الخصوم، ورفع من مستوى الهلال في هذا الشأن عما قبل مجيئه، فهذا حقه نعطيه إياه.
مع العلم أن تلك الطريقة يعتمد نجاحها على الحالة التكتيكية للخصوم بترك فراغات من عدمها. هذا ما فطن له مدرب الشباب التنزاني بترك مساحات خلف أظهرته في تنزانيا، استغلها إيبينجي وحقق الانتصار، ثم انتبه لذلك وأقفل مساحاته الخلفية بموريتانيا، فكانت خسارة الهلال، مع عجز إيبينجي التام كعادته عن صناعة حلول هجومية بديلة، كما عجز قبلاً أمام الجيش الرواندي في سيكافا، والأمثلة كثيرة ويضيق المكان لذكرها.
كذلك يفتقد الهلال فاعلية الوسط الهجومي برغم تواجد روفا وإيمي بحصيلة تهديفية مميزة مع فرقهم السابقة، ليُصابوا بتوهان في القدرات التهديفية مع الهلال بسبب تكتيك إيبينجي.
من العيوب الأخرى افتقاد الهلال للصرامة الدفاعية والدليل إحصائيات الهلال في دوري الأبطال هذا العام تتحدث عن ذلك. الهلال أحرز في دوري الأبطال (11) هدفًا، نسبة تهديف جيدة، واستقبلت شباكه (12) هدفًا. بالله عليكم، هل شاهدتم فريقًا في الدنيا معدله التهديفي بالسالب، هل يمكن أن يطمع في تحقيق البطولات؟ والسؤال: ما سبب الاضطراب الدفاعي للهلال؟ السبب ناتج عن ضعف الخطط الدفاعية وعدم توافر المرونة التكتيكية من قبل (إيبينجي) برغم تواجد كمية من اللاعبين المميزين.
هذا الفكر (الوحدوي) لفلوران على مدار ثلاث سنوات شكّل واحدًا من أهم أسباب منقصات قوة الهلال برغم ازدهار كشف الهلال بلاعبين أصحاب إمكانيات فنية كبيرة ومتعددة. الهلال أمام مازيمبي افتقد (عشرة) لاعبين أساسيين، وبرغم ذلك أدار إيبينجي المباراة بنفس طريقته المعهودة، فكانت النتيجة رباعية. أي مدرب في العالم يمر بنفس الظرف يعمل على تغيير طريقة وخطة المباراة حتى تتناسب مع لاعبيه ويقلل من أثر غياب عناصره الأساسية، إلا فلوران مدرب من كوكب آخر لا نعرفه. يؤمن بالفكر الواحد ولا يؤمن بالابتكار، وهذا وحده كفيل بإقالته من تدريب الهلال.
ملحوظة أخيرة… في أوقات كثيرة يترك فلوران الاستحواذ على الكرة للخصم، ويصر على إشراك نوعية محددة من اللاعبين برغم أخطائهم الكارثية (ديوف) كنموذج، ما تفسير ذلك؟ ربما يعود ذلك لاهتمام فلوران بجانب توفير عناصر الهجمة المرتدة التي يعتمد عليها هجوميًا.
بمعنى: يترك فلوران الاستحواذ للخصم حتى يتقدم ويترك مساحات خلفه المعتمد عليها في خطته الهجومية، وإصراره على تواجد ديوف للاستفادة من دقة تمريراته الطويلة التي تساعد في سرعة التحولات عبر الهجمات المرتدة.
ولكن في المقابل لا يبالي إيبينجي بنصف الكأس الآخر الذي يتمثل في تواجد ديوف وترك الاستحواذ للخصم، مما يشكل خطرًا كبيرًا على مرمى الهلال، وقد كان، وخسر الهلال عديد المرات نتائج بعض المباريات بسبب سلبيات النصف الفارغ من هذا الكأس.
ختامًا: نقول: أثبتت التجربة فشل إيبينجي في معالجة الأخطاء المتكررة وتنمية مهارات اللاعبين على المستوى الفردي والعمل على تحويل سلبياتهم إلى إيجابيات تخدم المنظومة الكلية، وبالتالي رسوب في صناعة اللاعبين الشباب وتطوير قدراتهم، فهذا يحتاج (لتدريس)، وفلوران لا يملك مقدراته أو يمتلك ذلك وغير مقتنع بجدواه. هذا وحده سببًا كافيًا لإقالته.
آخر سطر: فلوران عبارة عن هجمة مرتدة سريعة بالأجنحة، فإذا أُغلِقت الأجنحة، إذن أُغلِق معها (دماغ) إيبينجي…
تقبلوا تحياتي.
Share this content: