إنّه الهلال.. صراع الحب وتشاكس الهوى
الطاهر يونس
أن تدير الشأن الهلالي كما لو كنت تسير على حبل مشدود فوق بحر من المتناقضات وكأنها رقصة بين الألغام لا تعرف متى يشتعل أحدها تحت قدميك فهي بالطبع كمن يحاول أن يحتضن اختلاف بعض الناس بيد واتفاق اخرين بيد اخري في مجتمع يضج بالأصوات المتباينة كلٌ يريد أن يكون صوته الأعلى ورأيه الأرجح وكلٌ يظن أن رؤيته هي الأصدق والأقرب ويُجرد الآخرين من نفس الميزة.
أن تنال رضا الجميع أشبه بالمستحيل وغاية من الصعب إدراكها خاصة في عالم تتجاذبه الخلافات ويعصف به تيار من الأفكار المتناقضةكيف لا والصحافة الهلالية وحدها تعكس هذا التباين العميق؟ تتقرب من أحد الأقلام.. فتخسر قلمًا آخر كان بالأمس حليفًا وكأنك في حلبة لا تفرغ من اللاعبين كل منهم ينتظر فرصته ليأخذ مكانه لعبة كراسي لا تنتهي وأنت فيها الحَكَم واللاعب معًا.
وكم تضحكني هذه المواقف المبكية فهي تذكرني بحال أبنائي التوأم اللذان نادرًا ما تجمعهما لحظة ودٍ صافية فكأنهما على موعد دائم مع التنافس المحموم يتسابقان نحو من يكون الأول في نيل القرب والود وهكذا هو الهلال مشهد من التناقض الأبدي حيث تشتعل القلوب عشقًا لكن النار لا تخمد في دهاليز الخلاف.
لعل التحدي الأكبر ليس في إرضاء الجميع بل في تحويل هذا التنوع إلى قوة تدفع بالنادي إلى الأمام وفي أن تصبح الإدارة جسرًا بين الأطراف لا ساحة صراع أن تجمع المتناقضات في بوتقة واحدة كعازف يحول النغمات المتنافرة إلى لحن بديع.طوال فترة إدارتي لبعض شؤون هذا النادي العريق كنت أشبه بمن يحمل مصباحًا في ليلة عاصفة، يحاول أن ينير الطريق للجميع دون أن يترك أحدًا خلف الظلال.
سعيتُ بكل ما أملك من صبر وحكمة أن أجمع شتات الأقلام المتباينة وأن أفتح أبواب الحقيقة لكل من أراد أن يدخلها دون تمييز أو استثناء.
كنت أرى في الصحافة الهلالية لوحةً مليئةً بالألوان المتناقضة كل لون فيها يحمل شغفًا خاصًا وحبًا متفردًا لهذا الكيان لكنني كنت مؤمنًا أن جمال اللوحة يكمن في انسجام ألوانها لا في تنافرها. لذا عملتُ جاهدًا ألا يكون هناك قلم مفضل ولا خبرٌ حكرٌ على أحد الجميع كانوا سواء في عيني فالهلال لا يُحتكر والهلال للجميع
ورغم أن الطريق لم يكن ممهدًا كنت أجد في كل خطوة تحديًا جديدًا أحيانًا كنت أشعر أنني أركض خلف الريح، أحاول أن ألملم صخب الخلافات وأصنع منه لحنًا واحدًا لكنني كنت مؤمنًا أن العظمة الحقيقية تكمن في القدرة علي جعل التناقض مصدر قوة لا ضعف.
اليوم حين أعود بذاكرتي لتلك الأيام، أبتسم رغم كل ما حملته من مشقة. أدرك أن النجاح لم يكن في أن أُرضي الجميع بل في أن أزرع بذرة العدل والمساواة وأتركها تنمو في تربة الحب لهذا الكيان.
الهلال كان وسيبقى أعظم من كل الخلافات وأجمل من كل التباينات هو الكيان الذي يجمعنا رغم كل شيء ويمنحنا جميعًا سببًا لنحلم.
كثيرة هي الأقلام التي وقفت بجانبي إبان لجنة التطبيع تساندني بحب وتنتقدني بصدق ورفق لا يخلو من النبل فتلك هي الأقلام التي تشبه بريق الهلال في لياليه الجميلة ، واضحة، صافية، تُضيء حتى في لحظات العتمة .. وقليلة هي تلك التي جلدتني بسياط القسوة لكنها لم تلبث أن عادت بعد حين تمد يدها بالود والتصافي بلغة لا تحتاج إلى كلمات.
في كل ذلك الزخم كانت جلسات المسامرة الهلالية هي اللحظات التي تسكن القلب تترك بصمتها فلا تُنسى. في تلك الجلسات كنت أشعر أنني أمام مرآة تعكس صورة الهلال بكل عظمته وتُعيد لي ذكريات التجارب التي صقلت تجربتي وملأت قلبي حكمة.
كم كانت جميلة تلك الصباحات التي كنت أجالس فيها “جبل أحد الهلالي”، الرشيد علي عمر (رغم انتقادات البعض ) بحديثه العميق وتجاربه الكبيرة ومعرفته بتاريخ الهلال وحديث الودود محمد عبدالماجد الذي ينساب كأنه جدول من الدفء يرسم أحلامنا علي كوب من القهوة الصباحي بنكهة أيقونة العشق الهلالي ومحمد الطيب الامين كان حديثا موقظا ومشعلا في القلب شرارة العشق لهذا الكيان العظيم يكتمل بمشاغبات أيمن كبوش كما يسميها في ايام الشد والجذب الذي استقرت سفينته علي شاطيء الصفاء وحبل من الود المتين وكذلك انحياز ود نور الدائم المطلق بدوافع الصوفي النقي وهدوء ود عائس وحميمية الجمصي وحسن ظن كبوتش وصدامية ابوشيبة وابتسامةالحبيب حسن عبدالرحيم الماكرة وغيرهم الكثير.
كل لحظة قضيتها في تلك المسامرات وغيرها مع اخوة كثر من صحفيين وإداريين ومشجعين أضافت لي درساً جديداً وعلّمتني أن الهلال ليس مجرد نادٍ بل وطن يضم تحت سماءه قلوبًا تحمل الحب والعطاء حتى في لحظات الاختلاف.
هو الكيان الذي يجمعنا جميعًا ونظل ندور في فلكه كما تدور النجوم حول القمر في حب لا ينتهي وعشق لا يعرف النكران.
شارك الخبر على: