
الفتاة التي (كسرت) لواء في الجيش ..
قزاز ورذاذ
محمد الطيب الامين
الفتاة التي (كسرت) لواء في الجيش ..
في زمن سابق أهدتني حسناء في عمر العصافير (دفتر) مكتوب عليه : (أبقى أسأل عن قلوبنا بتلقى فيها كنوز محبة وبتلقى فيها بحور حنان) .
ورغم أن ما كتبته هذه الحسناء يعتبر (تسوُّل راقي) إلا أنني وللأمانة لم أتوقف عند هذه الحسناء، بل شدني هذا الشِعر الجميل .
ووقتها لم أكن متبحراً في الأغنية السودانية لأسباب تتعلق بالعمر .
كنت صغير وجاهل وبمسح (الليمون) محل (الدقن) عشان يقوم لي (شعر) بالغصب .
بعد هذا (الدفتر) عرفت أن هذه الحسناء أهدتني (زيدان إبراهيم) ولم تهدني (دفتراً).
وبدأت اتعمق في الغناء فسمعت عثمان حسين لأول مرة في حياتي وكان عمري (14) سنة وهو يغني : (ما تخلي قلبك معاي شوية)، أدهشني هذا الإحساس فتابعته حتى غنى : (عشرة الأيام ما بصح تنساها كأنوا ما حبيتك وكأنوا ما عشناها).
حسيت عثمان حسين (بتوجع ما بغني) ، تركت كل شيء وتفرغت لمعرفة من الذي يكتب هذا (الألم) .
بحثت و(فتشت) فكانت الحقيقة أن صاحب (في بعدك يا غالي أضناني الألم) هو (العسكري) سعادة اللواء عوض أحمد خليفة شاعر (الرومانسية والحب الطاهر).
المفاجأة أن يكون صاحب هذا الشجن والدمع (عسكري).
استغربت كيف لعسكري خريج الكلية الحربية أن يكون بهذه الرِقة والحس الرهيف وهو الذي يفترض أن يكون في (الأحراش والأدغال) يقاتل أعداء الدين والوطن .
حياة العسكرية قاسية وتحتاج لقلوب جامدة .
لا نقول العسكري قاسي القلب ولكن نقول الجانب العاطفي لا يطغى على شخصية العسكري .
لا يبوحون بمشاعرهم ولا يصرِّحون بالحب في الهواء الطلق .
العسكري يواجه بصدره الأعداء والمتمردين والألغام .
عسكري لا (يتجرَّس) من أسود الغابة ولكنه يبكي في حضرة الحبيبة .
عسكري يقتل العدو وتقتله نظرة من عيون نعسانة .
عمنا الراحل سعادة اللواء عوض أحمد خليفة رحلة طويلة من الخدمة (العاطفية والوطنية) الممتازة .
الراحل عوض أحمد خليفة كان (وجع في قلوبنا) و(شامة في خد القوات المسلحة) .
رحل بعد أن رفد مكتبة الأغنية السودانية بعشرات الأغنيات الحسان .
أحببنا الراحل عوض أحمد خليفة من خلال أغنياته الفاخرة التي حكت دواخله الشفيفة.
أغنيات فيها كثير من القيم والصدق.
مفردة عوض أحمد خليفة فيها تهذيب وعمق وبساطة.
ولو كانت الرتب العسكرية تمنح في الإبداع لبلغ عوض أحمد خليفة رتبة (مشير).
أحس بأن رتبة لواء هذه بلغها عوض أحمد خليفة بالعواطف وليس بالعسكرية.
كتب (دنيا المحبة) أدوهو (ملازم).
كتب (أغلى من عينيا) أدوهو (نقيب).
كتب (يا ربيع الدنيا) أدوهو (عقيد).
كتب (عشرة الأيام) ادوهو (لواء).
(عشرة الأيام) وحدها تستحق رتبة اللواء.
العساكر يعتقدون أن عوض أحمد خليفة (لواء في الجيش) ونحن نجزم بأنه (لواء في المشاعر).
لو لم يكتب خلاف (عشرة الأيام) لكفاه ذلك.
عشرة الأيام أغنية كبيرة فيها عتاب ناعم ونعومة غاضبة.
والتسامح عند عوض يكاد يكون حاضر في كل أغنياته.
مسامح في المحبة وكريم في العواطف.
اشتهرت أغنياته عبر حناجر الكبار وكان بعيداً عن الأضواء زاهداً في الظهور والإعلام .
ربما يكون عوض أحمد خليفة هو من أقل الشعراء ظهوراً في وسائل الإعلام بكل تخصصاتها برغم أنه يستحق أن يكون مادة ثابتة في كل الوسائل .
شعراء (الهشك بشك والمغارز) يسيطرون على القنوات وأمثال سعادة اللواء يعيشون في الظلام .
رجل ساهم في تربيتنا العاطفية وقد كان له سهم في تهذيب مشاعر الناس .
في سنواته الأخيرة انقطع عوض أحمد خليفة عن الوسط الفني وتفرغ للعبادة .
أصبح (الإمام الراتب) لمسجد الدرايسة بالموردة .
يخطب ويصلي بالناس الجمعة ونحسب أن ذلك من علامة حسن الخاتمة .
سعدنا جداً أن ينهي عوض أيامه في الدنيا وهو (أمام مسجد) .
نهاية يتمناها كل مسلم .
و……
لا تسأل مشاعرك
ليه عيني بكن
يوم ودعني حسنك
و لازمني الشجن
باكر يا حبيبي
يا حبيبي باكر
يعلمك الزمن
ليه دنيا المحبة
دنيا المحبة ليه
للأحباب وطن
#محمد_الطيب_الأمين
شارك الخبر على: