موجة بحر

*فضيحة الضعين تكشف خيوط التورط والتلاعب*

*كرة القدم السودانية في مرمى السياسة:*

*فضيحة الضعين تكشف خيوط التورط والتلاعب*

خالدة البحر
في قلب الصراعات السياسية العاصفة التي تضرب السودان، لم تسلم ساحة كرة القدم، التي لطالما اعتُبرت متنفساً للوحدة والترفيه، من التسييس والتدخلات التي تهدد نسيجها الهش. ففي تطور دراماتيكي هز أركان المشهد الرياضي، وجد الاتحاد المحلي لكرة القدم بمدينة الضعين، بولاية شرق دارفور، نفسه في قلب عاصفة من الجدل بعد بيان سياسي صريح، ما أدى إلى تداعيات سريعة ومثيرة للجدل، كاشفاً عن شبكة معقدة من التورط والشبهات.

*بيان الضعين: ركلة جزاء في مرمى الفيفا*
في لحظة بدا فيها الحذر غائباً، أصدر الاتحاد المحلي لكرة القدم بالضعين بياناً غير مسبوق، تجاوز فيه حدود العمل الرياضي الصرف. البيان، الذي حمل عنوان “دعم ومباركة”، عبّر بوضوح عن “فخره ومباركته الكاملة” لاختيار الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد المليشيا الجنجويدية المتمردة رئيساً “لتحالف التأسيس” والقائد عبد العزيز الحلو نائباً له. لم يكتف البيان بالتهنئة، بل غاص في عمق السرد السياسي، واصفاً هذا الاختيار بأنه “حكيم” و”يعكس إرادة وطنية جديدة” نحو بناء سودان “موحد، آمن، عادل، وديمقراطي”. الدعوات لوحدة الصف الوطني وإطلاق مبادرات لدعم السلام لم تُخفِ الطابع السياسي الواضح للبيان، الذي بدا وكأنه وثيقة سياسية أكثر منها إعلاناً رياضياً.
هذه الخطوة، تعتبر بـ “ركلة جزاء مباشرة في مرمى قوانين الفيفا”، لم تمر مرور الكرام. فالمادة (78) من لائحة الانضباط بالاتحاد السوداني لكرة القدم، المستندة إلى مبادئ الفيفا الصارمة، تحظر بشكل قاطع أي تدخل سياسي في الشأن الرياضي.

*عقوبة فورية: سيف الانضباط يطال رؤوس الضعين*
لم تنتظر لجنة الانضباط بالاتحاد السوداني لكرة القدم طويلاً. فبقرار حاسم ومفاجئ، أصدر مولانا مهدي محمد خليل البحر، رئيس اللجنة، أمراً بإيقاف فوري لرئيس وأعضاء مجلس إدارة الاتحاد المحلي لكرة القدم بالضعين والأمين العام للاتحاد عن ممارسة أي نشاط رياضي متعلق بكرة القدم. وجاء في حيثيات القرار أن البيان الصادر عن الاتحاد المحلي يُعد “تأييداً لحكومة السلام الانقالية التابعة لمليشيا الجنجويد”، وهو ما يمثل “تورطاً في عمل سياسي مخالف للنظام الأساسي للفيفا”.
هذا الإيقاف، الذي يظل سارياً لحين مقابلة اللجنة في نهاية شهر يوليو الجاري (2025)، يبعث برسالة قوية بأن الاتحاد السوداني عازم على تطبيق لوائحه الداخلية وحماية كرة القدم من براثن التسييس. تحديد موعد الجلسة بهذا القرب يُشير إلى جدية التعامل مع القضية الخطيرة

*خيوط الشبهات: تورط مجموعة معتصم جعفر وأسامة عطا المنان الفائزة بالانتخابات*

تزداد القصة تعقيداً وتشويقاً عند الكشف عن الملابسات المحيطة بـ “إعادة انتخاب” الاتحاد المحلي لكرة القدم بالضعين. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أن هذا الاتحاد، الذي أصدر البيان السياسي، قد تم “إعادة انتخابه بدون إجراءات جمعية عمومية”. هذا التجاوز الصارخ للوائح يثير علامات استفهام كبرى حول شرعية قيادته.
الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا الاتحاد “غير الشرعي” قد حظي بـ “مباركة” من قبل مجموعة معتصم جعفر وأسامة عطا المنان، وهي المجموعة التي فازت مؤخراً بانتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم. هذه المباركة، التي وصفت بأنها جزء من “لعبة الانتخابات”، تضع هذه المجموعة تحت دائرة الضوء. كيف يمكن لقيادات في الاتحاد السوداني مباركة انتخابات لم تلتزم بالضوابط القانونية؟ وما هي المصلحة التي دفعتهم إلى ذلك؟
يُضاف إلى ذلك، أن الاتحاد الذي يرأسه نقيب “جنجويدي” يدعى علي محمود، كان هو من قام بتزكية ترشح مجموعة معتصم جعفر وأسامة عطا المنان للانتخابات التي فازوا بها لاحقًا. هذا الارتباط الوثيق بين الاتحاد المحلي المشكوك في شرعيته والقيادات الجديدة في الاتحاد السوداني، يُشير إلى تبادل للمصالح، وربما صفقات خلف الكواليس تتجاوز حدود الشفافية والنزاهة الرياضية.
هل كان دعم الاتحاد المحلي لـ “تحالف التأسيس” جزءاً من صفقة أكبر؟ هل كانت مباركة “مجموعة معتصم” لانتخابات الضعين غير الشرعية بمثابة ثمن لدعم سياسي مستقبلي؟ هذه الأسئلة تفتح باب التحقيق واسعاً في طبيعة العلاقات داخل الهرم الرياضي السوداني ومدى تغلغل النفوذ السياسي فيه.
تُعزز هذه الحادثة الشكوك حول نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية داخل الاتحادات الرياضية السودانية. إذا كانت “المباركة” تُمنح لاتحادات تُنتخب بشكل غير شرعي، فكيف يمكن للمنظومة الكروية أن تزدهر؟

Share this content:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى