وشوشة الرياح

الإعلام الرياضي… بين دور البناء وهدم الجدران*

*وشوشة الرياح*
*الإعلام الرياضي… بين دور البناء وهدم الجدران*
✍️ أنور ابنعوف

عندما نتحدث عن كرة القدم، فإننا لا نستطيع أن نفصلها عن الإعلام الرياضي، خاصة في مجتمع مثل السودان، حيث الكرة ليست مجرد لعبة، بل شغف يعكس الحياة اليومية للمواطن. والإعلام هنا يجب أن يكون شريكًا في تطوير اللعبة، لا معول هدم لها.

نظرة سريعة لحال الإعلام الرياضي تكشف عن أزمة حقيقية، لا في أدواته، ولكن في نواياه. لم يعد الكثير من كتاب اعمدة الرأي اعمدة إصلاح، بل تحولوا إلى مشجعين متعصبين يبثون سم الفرقة في جسد الرياضة السودانية، يبررون ما يفعلونه بمزحة أو مناكفة، بينما يزرعون بذور الكراهية والانقسام التي تخرج عن إطار التنافس الشريف.

في عام 1987، كان المشهد الرياضي السوداني مختلفًا تمامًا، لم تكن هناك خصومة إعلامية بين الهلال والمريخ، وكان نجوم الفريقين يقفون صفًا واحدًا خلف من يمثل السودان. أذكر أن لاعبي المريخ حضروا مباراة للهلال في بطولة قارية بزيهم الرسمي، والعكس صحيح، دعمًا للمنتخب قبل أن يكون للنادي. كان الإعلام موحدًا، أقلام مثل الراحل عبد المجيد عبد الرازق تكتب للجميع، دون لون أو انحياز، وكان المحتوى يحترم العقول ويخاطب الوجدان.

ثم جاءت التسعينات، ومعها تحوّل الإعلام إلى ساحات استقطاب، صحف بلون أزرق وأخرى بلون أحمر، والمنتخب الوطني تاه بينهما. ظهر كتاب رأي لا علاقة لهم بأدبيات الصحافة، تحركهم أجندات، وتحميهم جماهير تُقاد بالعاطفة، بينما تضع الأندية قراراتها رهن تهديدات الصحف، لا مصلحة الكيان.
ما يحدث الآن أخطر مما يبدو، الإعلام الرياضي صار وقودًا للتوتر، لا وسيلة للتنوير. صفحات التواصل امتلأت بكتابات تلهث خلف السبق حتى وإن كان مدمرًا، شائعات تنسف استقرار الأندية، أخبار بلا مصدر، وتحليلات بلا رؤية.

إن الكلمة مسؤولية، والقلم أمانة، وإذا لم يدرك الإعلاميون الرياضيون حجم التأثير الذي يحدثونه في تشكيل الرأي العام، فإن الفوضى ستبقى سيد الموقف، وسيبقى تطور الكرة السودانية حلمًا مؤجلاً.

فهل يعود الإعلام إلى رشده؟
أم نظل نراوح في ساحة صراع لا رابح فيها؟

Share this content:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى